| إستقـبــال | إختصاصــتنا |قوانين المهنـة | تونس في كلـمات |محرك بحث قانـوني | مفــردات قانـونية | إصــدرات| نــوافذ | مواعيـد | للإتصال بنا

الاستشارات القانونية, تحرير العقود: بيع شراء كراء رهن معاوضة نقل ...النيابة أمام جميع المحاكم التونسية, استخلاص الديون...

mercredi 22 octobre 2008

ولايـــة الأم


الهيئــــة الوطنيـــــة للمحـــاميــــن
الفـــرع الجهـــوي بسوسـة





محـــاضــرة ختـــم تمريــن







إعــداد الأستــاذة: نــورز بوويدة

المحامية المتمرنة

المقــدمـة

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وأرزقوهم فيها وأكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وإبتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها".
يتجلى من خلال الآية الكريمة اهتمام الإسلام بتنظيم المسائل المتعلقة بمال ونفس القاصر ذلك أن الأمر بابتلاء اليتامى، أي بامتحانهم عند بلوغهم ودفع أموالهم إليهم إذ رشدوا، دليل الحجر على الصغار، علما وأنه من الفقهاء من يطلق على الصّغير والقاصر إسم اليتيم وهي كلمة مولّدة.
فالقاصر أو الصغير هو ذلك الكائن الضعيف الذي لا تنساق تدبيراته إلى غايته على سبيل السّداد من غير إشارة مشير ولا سديد مسدّد ممّا يعلل الحجر عليه.
ولعلّ هذا المشير أو المسدّد لا يمكن أن يكون غير الوليّ الذي يقترض فيه التدبير والقدرة والفعل وذلك هو مفهوم الولاية كما ورد بلسان العرب " إذ هي السلطان والنصرة والولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل، ومن لم يجتمع ذلك فيه لم ينطبق عليه اسم الوالي، وقبل كل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه… وولي اليتيم من يلي أمره ويقوم كفايته.
وفي ذات السياق، يمكن تعريف الولاية اصطلاحا بكونها توكيل قضائي أو قانوني للتصرّف في أموال الغير.
وهي استثناء من المبدأ العام المتمثل في أنه "ليس لأحد إلزام غيره أو قبول التزام له، إن لم يكن مأذونا في النيابة عنه بتوكيل منه أو بولاية حكمية".
ولعلّ وضعية القاصر باعتباره محجورا عليه للصغر على معنى الفصل 153 من م.أ. ش تستدعي ضرورة إرساء ولاية قانونية عليه ومردّ ذلك انتفاء أهلية الأداء لديه أو نقصانها دون أهلية الوجوب. ذلك أن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص ليباشر بنفسه ولحسابه التصرّفات القانونية أي قدرته على ممارسة الحق، وهي قدرة لا تكتمل للشخص في تشريعنا الوضعي ما لم يبلغ سن الرشد المدني وهي عشرون سنة كاملة.
إذ اعتبر المشرع أنه ببلوغ الشخص سنا معينة تقوم قرينة اكتمال مداركه العقلية شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي وعديد التشاريع المقارنة الأخرى، وبالتالي تكتمل أهلية الأداء لديه. فهذه الأخيرة تتأثر نقصانا أو انعداما بصغر السنّ على خلاف أهلية الوجوب التي تمنح حتى للجنين متى ولد حيا.
ولهذه الأسباب يميز المشرّع بين القاصر غير المميّز وهو كل من لم يبلغ سنّ الثالثة عشر،
ويعتبر فاقدا للتمييز على معنى الفصل 156 م أ ش مجرّدا من أهلية الأداء و لا يجوز له تباعا أن يتعاقد إلا بواسطة وليه الشرعي عملا بأحكام الفصل 5 من م إ ع، والقاصر المميز وهو من بلغ سنّ الثالثة عشر، وتكون له أهلية أداء مقيدة لافتراض عدم توافر أسباب الإدراك كاملة لديه. فيبقى مقيد الأهلية إلى أن يبلغ سنّ الرشد لأن مناط أهلية الأداء هو التمييز والإدراك على معنى الفصل 6 من م. إ.ع.
وحين تنتفي أهلية الأداء أو تكون ناقصة بالنسبة للصغير يقوم نظام الولاية على المال وهي سلطة تمنح لمباشرة التصرّفات القانونية لا لحساب الولي ولكن لحساب المولى عليه القاصر. كما تتعدى الولاية مجال المال لتشمل النفس من تأديب وتزويج وتعليم. وهي تبدأ منذ ولادة الصغير إلى حين بلوغ سن الرشد.
وفي هذا الإطار يجدر التذكير بأن المشرع التونسي على توليه تنظيم أسبابها وشروطها وأصحاب الحق فيها فإنه لم يتول تعريف الولاية كما لم يتول تقسيمها على خلاف فقهاء الشريعة الإسلامية الذين أطنبوا في الاهتمام بها وقد كان على قدر إطنابهم فيها على قدر اختلافهم حولها.
وعموما وبتفحص الإحكام المنظمة للولاية على القصّر نلاحظ إستئثار الأب بالولاية الشرعية، فهو من حيث المبدأ الولي الشرعي لابنائه القصّر، " فالقاصر وليه أبوه" على معنى طالع الفصل 154 من م أ ش، والولي في موضع أخر ليس إلا " العاصب بالنسب ويجب أن يكون عاقلا ذكرا، رشيدا والقاصر ذكرا كان أو أنثى وليه وجوبا أبوه أو من ينيبه".
ويتحصحص مما سلف ذكره أن ولاية الأب هي ولاية أصلية وما ولاية الأم إلا الاستثناء وفي صور مخصوصة، مع العلم وأن الأم لا تقل قرابة للصغير من والده إذ هي من يتم فيها إخصاب البويضة بمني زوجها وفيها تتكوّن اللّقيحة التي تتغذى في رحمها ومن دمها وينمو الجنين في أحشائها وتحمله فيها تسعة أشهر حتى يتوج حملها بالولادة. فالأمومة هي بالأساس علاقة بيولوجية تفترض وجود رابطة دموية بين الأم وصغيرها.
إلا أن هذا المفهوم المثالي للأم الذي يفترض علاقة بيولوجية بين الأم وصغيرها وهو المفهوم الذي نرتئي التركيز عليه وحصر بحثنا فيه على الرغم من المحاولات المطردة للتطورات الطبية للتشكيك فيه عبر استحداث أشكالا للأمومة دون حاجة إلى رجل بل مجرّدة بذرة مجمدة أو أمومة دون حمل أو أمومة دون إعطاء للبويضة.
وعموما قد يبدو من المفارقات الكبرى أننا أصبحنا نتحدّث عن ولاية الأم وإن كانت ولاية استثنائية، والحال أن المرأة كانت فيما مضى من العصور تفرض عليها الولاية مدى حياتها في الجاهلية فلا ولاية لها حتى على نفسها مهما بلغت من العمر والتجربة والحنكة. ومن لا يملك حق الولاية على نفسه لا يملكها ضرورة على غيره. وحتى الإسلام الذي سعى إلى هدم الأعراف السائدة في الجاهلية والمعاملة البالية للمرأة عبر السموّ بمكانتها والترفيع في حظوتها فإنه لم يقرّ بإسناد الولاية الشرعية للأمّ بصفة أصلية، فالأمّ لا تكون إلا وصية من الأب والجد والحاكم. فهي "مخلوق ضعيف لا يقوى على أعراض وجوده من حمل وطمث وتعهد ولم تتعود خوض غمار الحياة والمجادلة، والدفع، والتدافع، كخليقة الرجل".
ولقد استند جل فقهاء الشريعة الإسلامية لتبرير أحقية الأب على الأم فى الولاية بقوله تعالى "الرجّال قوّامون على النساء"، وإن محاولة بعض رجال القانون المناصرين لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل وتباعا المساواة بين الأم والأب في تسيير شؤون الأسرة في الإقناع بأن من مذاهب الشريعة من لا يرى مانعا من إسناد ولاية شرعية للأمّ على ابنها القاصر وخصّ بذلك المذهب الحنفي.
فقد يرى البعض أن المذهب الحنفي وأن كان قد مكّن الأمّ من صلاحيات محدودة في مجال الولاية إلا أنه قد استبعد قطعا الولاية الشرعية للأمّ على المال.
ويمكننا الجزم في هذا الإطار أن المشرّع التونسي خص الأب بالولاية الأصلية، وفي ذلك دليل على استلهامه أحكام الولاية من التشريع الإسلامي، وذلك في صورة وجوده وكمال أهليته وانتفاء الموانع الشرعية لديه مخالفا بذلك التشريع الفرنسي الذي أسند الولاية للأبوين بالاشتراك وعلى قدم المساواة. وذلك عند قيام العلاقة الزوجية.
إلا أن ذلك لا يعني المرة أن المشرع التونسي لم يتدرّج في الابتعاد على ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، إذ علاوة على إسقاط الولاية على المرأة عند إدراكها سن الرشد وحقها بالزواج بمن تريد دون إجبار من الولي وذلك وفق أحكام الفصل 9 من م. أ. ش وتجريد المشرع التونسي بمقتضى الفصل 24 من م أ ش الزوج من الولاية على أموال زوجته. فلقد تخلص التشريع الوضعي بمقتضى القانون عـ7ـدد لعام 1981 المؤرخ في 18-02-1981 من القاعدة المتفق عليها:" إذا لم يكن الصغير ذا أب ولا وصيّ وجب أن يقدّم عليه الحاكم".
فالأم لا تسند لها صلاحيات الولاية إلا إذا ما كانت وصيّة أو مقدّمة من الحاكم وهو إسناد مشروط. كما أسّس لولاية شرعية للأم تسند إليها قبل الوصي في صورة وفاة الأب أو فقدانه أهليته. فأصبح القاصر ولية أبوه أو أمه إذا توفي أبوه أو فقد أهليته.
أما عند قيام العلاقة الزوجية فلقد حاول المشرع التونسي، دون المس برئاسة العائلة المتوج بها الأب- الولي أصالة- وبنظام العائلة الأبوية المأثور عن التشريع الإسلامي، تعزيز دور الأمّ في الأسرة عبر تشريكها في تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعاملات المالية وذلك بمقتضى تنقيح الفصل 23 من م أ ش بمقتضى القانون عـ74ـدد لسنة 1993 مؤرخ في 12-07-1993 ولكن دون أن يقر بالمساواة بين الزوجين في ممارسة "السلطة الوالدية" كما فعل المشرع الفرنسي في الفصل 372 بعد تنقيحه بقانون 04 جوان 1970 والذي ينص على أنه
"مادامت الرابطة الزوجية قائمة يمارس الأب والأم سلطتهما معا" ، إذ يبقى مبدأ أولوية الأب في إدارة شؤون الأبناء وأن تعاون الأم في إدارة شؤون أبنائها لا يتعدى مجال المشاركة المقيدة والتي تجد حدودها عند السلطات الواسعة للأب الذي يبقى دائما الولي المبدئي للقاصر بمحافظته على صفته كرئيس للعائلة مما يبرر إستبعاد صورة الفصل 23 من م.أ.ش من نطاق بحثنا
وعموما نضيف أن التنقيح المذكور متع الأمّ الحاضنة عند انفصام العلاقة الزوجية بصلاحيّات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرّف في حساباته المالية.
ونلاحظ، تباعا، أن المشرّع ما فتئ يولي الأم مكانة هامة عبر تقديمها على الوصي في الولاية على أبنائها القصر، ولكن هذا المعطى لا يعد الوحيد لبيان أهمية البحث في ولاية الأم، هذه الأهمية التي تتجلى نظريا في ضرورة إلمام الباحث بعديد المؤسسات القانونية التي تستقطبها الولاية عموما وولاية الأم بصفة مخصوصة كالقصر، والأهلية، والحجر، والحضانة...
علاوة على أن الأحكام المنظمة لولاية الأم لم تحض بوحدة في المصدر إذ إستلهم المشرّع التونسي بعضها من التشريع الإسلامي فكان تأثيره جليا عليها كما كان متأثرا بالقانون الوافد من الغرب وهو ما عبّر عنه بعض رجال القانون بثنائية المصدر) Le dualisme des sources (.
وفي ذات السياق فإن تعدد المصادر الشكلية المنظمة لولاية الأم وإن كانت لا تغيّب الإحساس بمتعة البحث ولكنها تغذي الشعور بالإرهاق لدى الباحث إذ علاوة على مجلة الأحوال الشخصية صاحبة نصيب الأسد من أحكام ولاية الأم فإن مجلة الالتزامات والعقود ومجلة المرافعات المدينة والتجارية والمجلة التجارية وغيرها بالإضافة إلى النصوص الخاصة تعد مصادر لا تقل أهمية استوعبت في جزء منها أحكام الولاية.
كما تتدعم هذه الأهمية النظرية لدراسة ولاية الأم بأهمية عملية، ذلك أننا في عصر يمكن أن يطلق عليه عصر المرأة، فلم يكن هذا المخلوق يحض بالأهمية والحظوة كما يتمتع بها اليوم، ويكفي أن ندعم قولنا بما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في 10/12/1948 إيمان شعوب العالم بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة شخصه وقدره وبالتساوي بين حقوق المرأة والرجل، وتباعا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ما سمي "بالإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضدّ المرأة" وجاء بفصله السادس أنه يراعى وجوبا اتخاذ التدابير المناسبة بتأمين مبدأ تساوي مركز الزوجين كأن يكون للمرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل أثناء الزواج وعند حلّه ويكون لمصلحة الأولاد في جميع الحالات.
ولعله وفي خضم هذه الثنائية في المصدر بين التشريع الإسلامي الذي يتميز بإستئثار الذكور عن الإناث بالولاية وبين القانون الوافد من الغرب الذي يساوي بينهما، والتعددّ في المصادر الشكليّة والسعي الدؤوب للتقيد بالمواثيق الدولية يصبح طرح التساؤل التالي مشروعا: هل تمكن المشرع التونسي من خلال مختلف الأحكام المنظمة لولاية الأم من إرساء نظام قانوني محكم لها؟
تبدو دراسة ولاية الأم شائكة لغياب وحدة في الإسناد إذ يتراوح إسناد الولاية إلى الأم بين الإسناد الآلي و الإسناد القضائي (الجزء الأول)، كما تتأثر ولاية الأم بنوع الولاية حسبما إذا كانت على المال أو على النفس، لذلك نجدها تتأرجح بين المشمولات الكاملة والمشمولات الناقصة (الجزء الثاني).


الجــزء الأوّل: ولايـة الأم بين الإسنــاد الآلي والإسنــاد القضائــي

مما لاشك فيه أن الولاية الشرعية تسند بصفة أصلية إلى الأب في صورة وجوده وكمال أهليته وتجرده من الموانع الشرعية "فالقاصر وليه أبوه" على معنى الفصل 154 من م أ ش و "للأب الولاية على القاصر... أصالة..." على معنى الفصل 155 م أ ش. فالولاية الشرعية يستأثر بها الأب في المقام الأول وذلك امتدادا لاعتباره رئيس العائلة حسبما ورد بالفقرة الرابعة من الفصل 23 من تشريع الأحوال الشخصية. فهو الولي الشرعي وولايته ذاتية تثبت بمجرد ثبوت صفة الأب مما يعلل وحدة نظام إسناد الولاية إليه على خلاف نظام إسناد الولاية إلى الأم الذي يتميز بالازدواجية إذ يتراوح بين الإسناد الآلي في صورة توفر حالات مخصوصة ( المبحث الأول) والإسناد القضائي الذي يستوجب ضرورة المرور بطور التقاضي (المبحث الثاني).

 المبحث الأول: إسناد الولاية آليا إلى الأم:

إن إسناد الولاية الشرعية إلى الأمّ يترجم تدرج المشرع التونسي في الابتعاد نسبيا عن الموروث وهو ما اتفق عليه جمهور الفقهاء في عدم إسناد الولاية الشرعية إلى الأم بصفة آلية. فهو لم يؤسس لهذا النظام من الإسناد إلا بعدما يناهز ربع قرن عن دخول م أ ش حيز التنفيذ (فقرة أولى) كما أنه قيد هذا الولاية الشرعية بضرورة توفر صور مخصوصة تتلائم مع طبيعة ولاية الأم باعتبارها ولاية استثنائية (فقرة ثانية).
* الفقرة الأولى: أساس إسناد الولاية آليا إلى الأم:

" وإذا لم يكن الصغير ذا أب ولا وصي وجب أن يقدم عليه الحاكم" تلك هي الصياغة الأصلية للفصل 154 من م. أ.ش كما صدر بها أمر 13 أوت 1956 وهي صياغة تتطابق مع ما إتفق عليه جمهور الفقهاء وبالخصوص المذهب المالكي الذي لم ير وجها لإسناد الولاية للأم بعد وفاة الأب أو فقدان أهليته. وهي صياغة تتلائم مع ما ورد بالتشريع المغربي الذي حصر الولاية في الأب ووصيه والقاضي أو مقدمه.
وتباعا يبدو المشرع التونسي، حسب الصياغة المذكورة، متأثرا بالتشريع الإسلامي في إقصائه للولاية الشرعية للأم بعد وفاة الأب أو فقدان أهليته. ولكن ذلك لا ينفي أن الأم يمكنها أن تكون وصية من الأب أو مقدمة من الحاكم متى توفرت فيها الشروط المطلوبة.
وهنا يتوجب التذكير بأن مثل هذه الأحكام تبدو منسجمة مع الواقع الثقافي والاجتماعي زمن صدور م. أ. ش فالمرأة حينها لم تكن سوى كائنا ضعيفا، أميا، قليل التجربة، عديم الحنكة فهو لا يقوى على شؤون الولاية من أمر ونهي وتدبير وسلطة والحال أن العلة من إرساء نظام الولاية هو حماية القاصر، ذلك الكائن العاجز عن توفير حماية لشخصه وحماية لماله.
ولكن بعد دخول المرأة معترك الحياة وغزوها للجامعات وإقبالها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أصبح من الضروري تفعيل دورها داخل الخلية الأولى وهي الأسرة عبر إسنادها ولاية شرعية على أبنائها تقتضيها أساسا مصلحتهم. وفي هذا الإطار إكتسى الفصل 154 من م. أ.ش صياغته الحالية بمقتضى تنقيحه بالقانون عـ7ـدد لعام 1981 المؤرخ في 18 فيفري 1981 والتي تنص على أن "القاصر وليه أبوه أو أمه إذا توفي أبوه أو فقد أهليته مع مراعاة أحكام الفصل الثامن من هذه المجلة المتعلق بالزواج ولا يعمل بوصية الأب إلا بعد وفاة الأم أو فقدانها الأهلية وعند وفاة الأبوين أو فقدان أهليتهما ولم يكن للقصر وصي وجب أن يقدم عليه الحاكم".
يتجلى بذلك إسناد الولاية إلى الأم بصفة آلية أي بمجرد وفاة الأب أو فقدان أهليته إذ أصبحت الأم تتمتع بصلاحيات الولاية أصالة بعد الأب مباشرة وقبل وصيه أو المقدم شأنها في ذلك شأن الأم في التشريع الجزائري. كما أصبحت الأم تتولى شؤون أبنائها المالية بصفتها ولية شرعية ودون حاجة إلى تقديمها من طرف القاضي عند وفاة الأب أو فقدانه أهليته لما في ذلك من مزايا عديدة لعل أهمها إعفاءها من الواجبات المحمولة عليها لو كانت مقدمة. فالمشرع أحلّها محل الأب وفرض عليها نفس الواجبات تجاه إدارة أموال القاصر كواجب حسن التصرّف في ذمته المالية وخضوعها للإذن القضائي للقيام ببعض التصرفات كالبيع والمعاوضة والكراء لمدة تتجاوز ثلاثة أعوام وغيرها من التصرفات الخطيرة التي قد تؤثر على مصلحة القاصر المادية على معنى الفصل 15 م. إ. ع.
فالمشرع التونسي بمقتضى إسناد الولاية الشرعية للأم وتقديمها على الوصي والمقدم برهن على إقتناعه بحسن نية الأم وبحرصها على حماية مصالح ابنها القاصر على خلاف المقدم أو الوصي الذي أبدى تجاههما نوعا من الاحتراز والحذر وذلك جلي بأمر 18/07/1957 المتعلق بترتيب تسمية المقدمين ومراقبة تصرفاتهم وحساباتهم.
وفي ذات الإطار، نلاحظ أن تنقيح الفصل154 و155 م. أ.ش بمقتضى قانون 18-02-1981 والذي أسند بمقتضاه المشرع الولاية الشرعية للأم لم يجد الإستحسان والتقدير من قبل من تعامل معه في حيز التطبيق إذ ورد أن " هذا الاتجاه الذي سار فيه المشرعان التونسي والجزائري يعتبر فيما يبدو لي سابقا لأوانه وأنه اعتبارا أن المرأة في المجتمعات النامية وإن تحصلت على جانب من المعارف إلا أنه مازال جانب كبير من النساء الجاهلات اللاتي لا يستطعن خوض غمار الحياة والإشراف مباشرة على شؤون أبنائهن القصر اليتامى قياما منهن بأعباء الولاية المسندة إليهن بموجب القانون.

وعلى خلاف ذلك نادى بعض رجال القانون إلى إيلاء الأم مكانتها الضرورية داخل الأسرة وتفعيل دورها عند وفاة الأب أو فقدان أهليته حتى قبل تنقيح الفصل 154 على النحو المذكور. كما اعتبرت الأستاذة كلثوم مزيو أن إسناد الولاية إلى الأم بصفة آلية بعد وفاة الأب أو فقدانه الأهلية يعد الحل الأنجع بالنسبة للصغير والأعدل بالنسبة للأم.
ولعله وفي خضم اختلاف الموقف حول تنقيح 18/02/1981 يجدر بنا التساؤل عن مبررات إقدام المشرع التونسي على إسناد الولاية إلى الأم بمجرد وفاة الأب أو فقدانه أهليته. إننا بدءا، نستبعد الرأي الذي يحاول مصطنعا، البحث عن مبررات في الشريعة كما فعل ذلك الأستاذ البشير الفرشيشي والذي استند في ذلك إلى المذهب الحنفي والحال أن هذا الأخير استبعد صراحة الولاية الشرعية للأم على المال أو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بسوسة عندما اعتبرت أن ما ذهب إليه المشرع التونسي اتجاه أجمع عليه فقهاء الشريعة.

وعموما فانه قد يبدو من غير المجدي كما ذهب إلى ذلك البعض البحث عن حجة من الشريعة لإسناد الولاية الشرعية للأم بعد وفاة الأب أو فقدان أهليته. ولكنه قد يبدو من المقنع أن نؤسس التنقيح المذكور على فكرة محورية وهي حماية القاصر. فمن أقرب إلى القاصر وأكثر شفقة عليه وخوفا على مصالحه. ألا يعتبر الآباء الحماة الطبيعيون لمصلحة القاصر الفضلى وبعد وفاة الأب أو فقدانه أهليته ألا تعد الأم أكثر الناس شفقة على أبنائها وحرصا على حفظ مصالحهم المالية في وقت إنقرض فيه مفهوم العائلة الكبرى المتلاحمة وبررت العائلة الصغرى المتكونة من الأب والأم والأبناء علاوة على أن الأم معتادة على "حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته عبر الحضانة التي تعد ضربا من ضروب الولاية على النفس فكيف لا تصح على المال في صور مخصوصة يفرض المنهج القانوني السليم التعمق فيها.
* الفقرة الثانية: صور إسناد الولاية آليا إلى الأم
منذ تنقيح 18 فيفري 1981 أصبحت الأم تتولى شؤون أبنائها بصفتها ولية شرعية عند وفاة الأب أو فقدان أهلية. ولئن رأى البعض أن اكتساب الأم لصفة الولية الشرعية إثر موت الأب لا يشكل مبدئيا أي مشكل. إلا أن عبارة الموت تستوقفنا لأنها عبارة وردت على إطلاقها ذلك أن الموت قد يكون طبيعيا وقد يكون حكميا.
فالشخص يعتبر قد مات حكميا إذا ما فقد في وقت الحرب أو في حالات استثنائية يغلب فيها الموت وتجاوز فقدانه العاميين بعد البحث عنه وإصدار القضاء فيه حكم بالفقدان في هذه الصورة هل يمكن إسناد الولاية الشرعية للأم بمجرد صدور الحكم بفقدان الأب على معنى الفصل 82 من م.أ.ش والذي يصير الأب في عداد الأموات ولكن حكميا؟
يبدو أنه وتقيدا بقواعد التأويل القانونية خاصة منها "إذا ما كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها". لا مانع من إقحام الموت الحكمي ضمن صور إسناد الولاية الشرعية إلى الأم مع الملاحظ أنه يمكنها أن تطلب قضائيا إسناد الولاية إليها قبل النطق بحكم الفقدان الذي يمكن أن لا يصدر إلا بعد مضى سنتين من وقت غياب الأب على معنى الفصل 81 من م. أ.ش كلما دعت مصلحة القاصر إلى ذلك وهو ما سنناقشه عند بحثنا في مسألة إسناد الولاية إلى الأم قضائيا.
وبالرجوع إلى الفصل 154 من م.أ.ش نلاحظ أن يذكر حالتين لإسناد الولاية الشرعية للأم وهما موت الأب وفقدانه الأهلية ونلاحظ أن الحالة الثانية أكثر تشعبا لتعدد أسباب فقدان الأهلية.
فقد يفقد الأب أهليته فقدانا مطلقا إذا ما أصبح مجنونا أي "فقد عقله سواء كان جنونه مطبقا يستغرق جميع أوقاته أم متقطعا تعتريه فترات يثوب إليه عقله". والجنون يفقد الأب أهلية الأداء فقدانا مطلقا وتكون بالتالي تصرفات المجنون غير نافدة على معنى الفصل 163 من م. أ.ش مما يصيره في حاجة ملحة إلى ولي عليه يتولى شؤونه وتباعا تنعدم حظوظه في تمثيل أبنائه القصر لأن فاقد الشئ لا يعطيه.
وقد يفقد الأب أهليته فقدانا جزئيا إذا ما أصبح ضعيف العقل غير كامل الوعي سئ التدبير، لا يهتدي إلى التصرفات الرائجة ويغبن في المبايعات على معنى الفصل 160 من م.أ.ش فمن كان على هذه الحال لا يمكن أن تعهد إليه ولاية أبنائه القصر.
كما تسند الولاية الشرعية إلى الأم إذا ما صدر حكم في الحجر على الأب لكونه لا يحسن التصرف في ماله ويعمل فيه بالتبذير والإسراف". فالسفيه يتمتع بأهلية مقيده تحول دون إمكانية ولايته على أبنائه القصر.
وفي ذات السياق، يقوم نظام إسناد الولاية التي الأم آليا إذا أصبح الأب مفلسا على معنى الفصل 457 من المجلة التجارية. فالمشرع بمقتضى النص المذكور والذي يدعمه الفصل 6 من م. إ. ع حجر عليه إدارة جميع مكاسبه أو التصرف فيها. فأمين الفلسة هو الذي يباشر ما للمفلس من الحقوق والدعاوى المتعلقة بكسبه. وإذا ما أبرم المفلس تصرفات بدون إمضاء أمين الفلسة يمكن إبطالها بطلب من هذا الأخير. ويتحصحص من ذلك آليا أنه لا يمكنه أن يمثل أبنائه القصر لأنه يفقد جزئيا أهلية الأداء، فمن ترفع يده عن مكاسبه ترتفع تباعا عن مكاسب غيره.
وتسند الولاية الشرعية إلى الأم على معنى الفصل 154 من م.أ.ش في صورة الحكم على الأب من أجل جناية تتجاوز العقوبة فيها عشرة أعوام بمقتضى الفصل 30 من المجله الجنائية فهذا المحكوم عليه سجين جزائيا ومحجور عليه مدنيا. فيعين عليه الحاكم مقدما للقيام بإدارة مكاسبه بحيث أنه لا يمكنه التصرف فيها إلا بالإيصاء كما لا يمكنه قبول أي مبلغ ولو جزئي من ربحها. فمن باب أولى وأحرى أنه لا يمكنه التصرف في مكاسب أبنائه القصر وتنتقل بذلك الولاية الشرعية إلى الأم.
ولئن جعل المشرع التونسي إسناد الولاية الشرعية للأم رهين وفاة الأب أو فقدانه أهليته فإن ذلك لا يحول دون تصور حالة عدم وجود أب ينسب إليه الإبن وهي صورة الإبن الطبيعي، ذلك المولود لشخصين خارج إطار علاقة شرعية ولم يقع إثبات نسبه بإحدى الوسائل التي ذكرها الفصل 68 من م. أ.ش أو بواسطة التحليل الجيني على معنى الفصل الأول من القانون عـ75ـدد لعام 1998 المؤرخ في 28 أكتوبر 1998 والمتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب. ففي هذه الصورة من هو ولي الإبن الطبيعي؟
يرى البعض أن الحل لهذا الإشكال هو اعتبار الأم ولية شرعية على مال ابنها الطبيعي قياسا على حالة وفاة الأب أو فقدانه أهليته، فكون الأب مجهولا تضاهي كونه مفقودا أو متوفي وتتفادي بذلك الأم الالتجاء للقضاء لتسميتها مقدمة على مال إبنها القاصر لما في ذلك من مس وتعطيل لمصالحه. قد يبدو هذا الحل على قدر كبير من الإنصاف والعدل ولكنه في رأينا مدعاة للتمحيص والتمعن من حيث أساسه القانوني والمتمثل في الفصل 154 من م.أ.ش ذلك أن هذا النص جاء بصور مخصوصة لقيام الولاية الشرعية للأم. فالقاصر ولية أمه إذ توفي أبوه أو فقد أهليته علاوة على أن أحكام الأحوال الشخصية تهم النظام العام ولا يمكن بأي حال التوسع فيها.
وقد يكون من الأجدر البحث عن أساس قانوني لقيام الولاية الشرعية لأم الابن الطبيعي في الفصل 155 من م.أ.ش الذي ينص بصورة جلية أنه" للأب ثم للأم ثم للوصي الولاية على القاصر أصالة" فهذا الفصل يعنى بترتيب الأولياء فإذا ما تخلف الأول من الترتيب قامت ولاية الثاني وبالتالي فإذا غاب الأب قامت ولاية الأم. وهو ما ينسجم تمام الإنسجام مع صورة الإبن الطبيعي الذي ليس له أب ينسب إليه. وفي ذات السياق ذهبت محكمة الاستئناف بسوسة في قرارها المذكور سابقا إلى الإقرار بأن"للأب ثم للأم وللوصي الولاية على القاصر ولا تبطل إلا بإذن من المحكمة للأسباب شرعية... وذلك ليس من السهولة بمكان أن تتجرد الأم عن ولايتها في غياب وجود أب شرعي للطفل بمجرد إمضائها لعقد تنازل أو إهمال. بل أن هذه الولاية تظل معقودة لها حق شخصي طبيعي مقرر قوامه الشفقة والعلم والدراية وإن كانت هذه الولاية قابلة للزوال بانتفاء موجبها وإلى الإبطال بإذن القاضي لأسباب شرعية كيفما نص به ذلك صريح الفصل 155 من م.أ.ش".
ولئن كانت الصورة المذكورة تتعلق بإسناد الولاية الشرعية للأم فستبقى لهذه الأخيرة الحق في طلب إسناد الولاية إليها على أبنائها القصر خارج إطار الفصلين 154 و155 من م.أ.ش من القاضي.

 المبحث الثاني: إسناد الولاية إلى الأم قضائيا:

بمقتضى الفصل 155 من م.أ.ش كما تم تنقيحه بالقانون عـ7ـدد لعام 1981 المؤرخ في 18 فيفري 1981 أصبح للأم الحق في طلب إبطال ولاية الأب وإسنادها إليها "لأسباب شرعية". فإذا ما توفرت "أسباب شرعية" صيّرت الأب غير مؤهل للولاية يمكن للقاضي إبطال ولايته على أبنائه القصر وإسنادها للأم بصفتها المؤهلة الأولى بعد الأب لتحمل أعباء الولاية.
ولكن ما المقصود بالأسباب الشرعية؟
بالرجوع إلى مداولات مجلس النواب بمناسبة مشروع تنقيح 18/02/1981 نتبين أن المشرع قصد الأسباب القانونية وليس الأسباب الواردة في الشريعة الإسلامية وباعتبار أن العبارة وردت مطلقة يجب أخذها على إطلاقها مما يصيرها قادرة على إستيعاب أسباب قد يصعب حصرها تولى القضاء ذكر بعضها كانعدام الأمانة، مع العلم وأن شرط الأمانة من الشروط العامة التي وضعها المشرع لإسناد الولاية، أو كامتناع الأب عن الممارسة حقه في الولاية.
فقد تتعدد الأسباب الشرعية التي تفرض على القاضي إبطال ولاية الأب لغاية رئيسية ووحيدة وهي حماية مصلحة القاصر الفضلى.
وعموما فإنه يمكن اعتبار الفصل 155 من م.أ.ش فصلا عاما يعنى من ناحية بترتيب الأولياء وبإسقاط الولاية على من توفرت فيه أسباب شرعية مع العلم وأن المشرع التونسي لم يول الاهتمام اللازم بمسألة إسقاط الولاية على خطورتها مما أدى إلى غياب نظام متكامل ومتماسك لإسقاط الولاية بالمقارنة مع نظام إسنادها. وباعتبار وأن الفصل 155 من م.أ.ش لا يعنى بنظام إسناد الولاية إلى الأم قضائيا بصفة مخصوصة فإننا ارتأينا التركيز على الأحكام الخاصة بذلك، ولعل أهمها الفصل 67 من المجلة المذكورة.
ولئن كان الفصل المذكور الأساس القانوني المحوري لإسناد الولاية إلى الأم قضائيا إلا أنه يبدو من الضروري استبعاد الفقرة الرابعة منه لتأسيس هذا الإسناد لأسباب سنتولى شرحها (فقرة أولى) واعتماد في المقابل الفقرة الخامسة من الفصل المذكور كأساس وحيد لإسناد ولاية الأم قضائيا (فقرة ثانية).
* الفقرة الأولى: استبعاد الفقرة الرابعة من الفصل 67 من م.أ.ش

لقد تطور القانون التونسي بداية من تنقيح 3 جوان 1966 من اعتبار الحضانة مؤسسة مستقلة عن الولاية "تسند حسب نص الفصل 67 قديم من م.أ.ش إلى قائمة من الأشخاص إلى إعتبارها ضربا من ضروب الولاية على النفس. وفي ذلك تكريس لرأي جمهور الفقهاء وخاصة الإمام مالك إذ أصبحت الحضانة بموجب التنقيح المذكور تسند إعتمادا على مصلحة المحضون.
علاوة على التنقيحات اللاحقة التي أكدت أن المشرع التونسي تبنى مفهوما موسعا للحضانة وخاصة منها القانون عـ74ـدد لسنة 1993 المؤرخ في 12/07/1993 والمنقح لبعض فصول مجلة الأحوال الشخصية والذي بمقتضاه أصبحت الأم الحاضنة حسب أحكام الفصل 67 الجديد تتمتع بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية. وهذا الامتياز لا يسند إلى الأم إلا إذا كانت حاضنة أي أنه مرتبط بمؤسسة الحضانة. ولكن هل تستأثر الأم الحاضنة وفق الفقرة 4 من الفصل 67 بصلاحيات الولاية على الأبناء فيما يتصل بسفرهم ودراستهم والتصرف في حساباتهم المالية.
في هذا السياق تجدر الإشارة أنه لا يمكن أن يفهم الفصل 67 م.أ.ش في فقرته الرابعة بمعزل عن بقية النصوص الأخرى الخاصة بالولاية ولعل أهمها الفصلين 60و 154 م.أ.ش. إذ ينص الفصل 60 من م.أ.ش على أن "للأب وغيره من الأولياء وللأم النظر في شأن المحضون وتأديبه وإرساله إلى أماكن التعليم ..." وأبقى الفصل 154 م.أ.ش على استئثار الأب بالولاية الشرعية مادام على قيد الحياة ومادامت أهليته كاملة لم يعترها قيد أو نقصان. فهو الولي أصلة وولايته مقدمة على الأم والوصي ما لم يقم سبب شرعي لإسقاطها عنه على معنى الفصل 155 من م.أ.ش.
ويتحصحص من الحجج المذكورة أن الجزم بكون الفقرة الرابعة تجرّد الأب من صلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته قول لا يستقيم لتصادمه الصارخ مع النصوص المذكورة سلفا إذ لم تكن غاية المشرع تجريد الأب من هذه الصلاحيات بل كانت غايته "تذليل الصعوبات التي قد تعترض المحضون على مستوى تصريف شؤونه وقضاء حوائجه"
وبناء عليه لا يتجه مسايرة الموقف القائل بإستنثار الأم الحاضنة بممارسة صلاحيات الولاية على الأبناء فيما يتصل بسفرهم ودراستهم على معنى الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش مثلما ذهب إلى ذلك البعض لأن الدافع إلى ذلك كان بالأساس تجاوز العقبات التي قد يواجهها المولي عليه نتيجة إمتناع الأب بوصفه الولي "العاصب" عن الموافقة على قضاء شؤون المحضون ليتحول إلى ولي "غاصب" لحق ذلك المحضون. ولكننا نرى في ذات السياق أن المشرع وإن حاول تذليل هذه الصعوبات فإنه اسقط الأحكام المتعلقة بولاية الأم على المحضون في بؤرة التعقيدات لأنه لم يتول سوى إقرار إزدواجية في أصحاب الحق في الولاية من حيث سفر المحضون ودراسته، إذ لا مانع قانونا من أن يتمسك الأب بها محتجا بأحكام الفصل 60 م.أ.ش و 154 م.أ.ش. ولعل هذه الثغرة الجلية التي اعترت الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش تذكرنا بالنقص الجلي في أحكام الفصل 60 من م.أ.ش الذي أدى إثر تنقيحه بقانون 18 فيفري 1993 إلى إقرار إزدواجية من حيث أصحاب الولاية، إذ ورد فيه أن " للأب وغيره من الأولياء وللأم النظر في شأن المحضون وتأديبه وإرساله إلى أماكن التعليم..." والذي غفل عن ذكر الحل عند وجود خلاف لا يمكن استبعاده بين والدين انفصمت علاقتهما الزوجية وانفصلت تباعا حبال الوصل والوفاق بينهما، حول مكان التعليم أو طريقة التربية.
وعلى خلاف ذلك اتسم موقف المشرع الفرنسي بالواقعية الذي، عند إقراره مبدأ المساواة بين الوالدين في ممارسة صلاحيات الولاية، جعل من مصلحة الصغير الأساس المحوري الذي يجب اعتماده من طرف الوالدين في تحديد الاختيارات الخاصة به، وإن إقتضت الضرورة فالرجوع إلى الحلول المعتمدة سابقا في الحالات المماثلة والمشابهة على معنى الفصل 376 من المجلة المدنية الفرنسية. أما إذا استحال الوصول إلى اتفاق فإن كلا الزوجين بإمكانه رفع الأمر إلى قاضي الشؤون العائلية الذي يجري أولا محاولة للتوفيق وعند استحالة الأمر يتخذ حلا يتماشى مع تطبيق سابق أن وقع إثباته وأن إستحال ذلك يرجع رأي أحد الوالدين أو يقرر حلا ثالثا إذا كانت مصلحة القاصر تقتضي ذلك.
وبناء عليه نلاحظ أن أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش شأنها من ذلك شأن عديد الفصول الأخرى المتعلقة بالولاية عموما وخاصة منها تلك التي أسست ازدواجية في أصحاب الحق في الولاية ساهمت في إثراء الفكرة القائلة بأن نظام الولاية في التشريع التونسي منذ 1956 وصولا إلى تنقيح 1993، يتسم بالنقصان وعدم التجانس لإغفال المشرع الإلمام بعديد المسائل الهامة كإغفال إيجاد حلول لخلاف مرتقب بين والدين منفصلين يتنازعان صلاحيات الولاية وكإغفاله تحديد الهيكل القضائي المختص بحل مثل هذه الخلافات. ذلك أنه وفي ذات السياق نلاحظ أن تمكين الأم من صلاحيات التصرف في الحسابات المالية للمحضون قد لا يذلل الصعوبات بقدر ما يغذي النقاشات حول هذه المسألة.
بدءا ما المقصود من الحسابات المالية هل المقصود بها فقط الحسابات البنكية والبريدية؟ أما أنها تشمل أموال القاصر من عقارات ومنقولات؟
يبدو أن المفهوم الأول هو المقصود "بالحسابات المالية" أي الحسابات التي يمكن فتحها لفائدة المحضون لسحب ما يحتاجه من نفقات لقضاء حاجياته لأنه لو اعتمدنا المفهوم الثاني ماذا يبقى للأب من صلاحيات في الولاية على المال وهو الولي الشرعي أصالة على معنى الفصل 154 من م.أ.ش.
وفي ذات السياق، يستهوينا التساؤل التالي: هل تقضي الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش بتجريد الأب من صلاحية التصرف في حسابات المحضون وباستئثار الأم بها. تبدو الإجابة بالنفي أكثر إقناعا لأنه لا يمكن بأي حال تجريد الأب من صلاحية التصرف في حسابات القاصر والحال أنه الولي أصالة على معنى الفصل 154 وهو من يتولى إدارة أموال القاصر وفق أحكام الفصل 6 وما يليه من م.إ.ع مما يحتم عدم حرمانه من التصرف في الحسابات المالية للقاصر.
فالمشرع التونسي مرة أخرى نجده يقر بازدواجية نسبية في خصوص أصحاب الحق في الولاية على المال، ذات الازدواجية قد لا ينجرّ عنها سوى نزاعات مرتقبة بين والدين منفصلين تؤدي عوضا عن تذليل الصعوبات تغذية العقبات أمام مصالح المحضون يبقى الحل لها رهين اجتهاد القضاء.
يتحصحص من كل ما سلف ذكره أن المشرع التونسي عبر الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش لم يعط للأم الحاضنة سوى صلاحيات محدودة جدا سواء على النفس أو على المال، وعلى الرغم من محدوديتها فهي لا تستأثر بها، مما ولد نوع من الازدواجية في أصحاب الحق فيها، ازدواجية غير مقصودة ولكنها قد تنشب خلافات محتدة ربما تحد من غاية المشرع من تنقيح 12/07/1993 في تذليل الصعوبات لتؤدي إلى تعزيز العقبات والتعطيلات.
وعلى خلاف أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 67 م.أ.ش تبدو الفقرة التي تليها سندا يمكن اعتماده في إسناد ولاية للأم قضائيا.
* الفقرة الثانية: إعتماد الفقرة الخامسة من الفصل 67 م.أ.ش

تمشيا مع الفلسفة العامة لتنقيح 12/07/1993 وتأكيدا على معيار مصلحة المحضون الذي طالما إعتمدته المحاكم في تقدير مآل الطفل عند إنفصام العلاقة الزوجية ورد تنقيح الفصل 67 من م.أ.ش في فقرته الخامسة ليخول للقاضي إسناد مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة في أربعة حالات خاصة وحالة عامة. وهذه الحالات الخاصة هي كالآتي:
• تعذر ممارسة الولاية من طرف الأب:
قد يكون مرد هذا التعذر عجز الولي بدنيا عن القيام بواجباته إزاء الطفل أو سفره سفر نقلة أو سجنه من أجل جريمة تكون مدة العقاب فيها أقل من عشر سنوات سجنا.
وعلى الأم في هذه الحالة إذا ما كانت ترنو إسناد الولاية إليها أن تثبت التعذر حتى يقتنع وجدان القاضي بذلك لما له من سلطة تقديرية.
• تعسف الولي في ممارسة صلاحيات الولاية:
يجب على الولي أن يحرص عند ممارسته لصلاحيات الولاية على ضمان الحماية المقررة للصغير الناقص الأهلية لا أن يتعسف في ذلك إلى حد إلحاق ضرر فادح بمصلحة القاصر كان من الممكن اجتنابه أو إزالته بلا خسارة على معنى الفصل 103 من م.إ.ع، كأن يتولى الولي متعمدا التفريط في مكاسب المولى عليه بوجه التبرع على معنى الفصل 16 من م.إ.ع، أو أن يتولى رهن مكاسب إبنه الصغير دون الحصول على الإذن المذكور بالفصل 15 من م.إ.ع قاصدا الأضرار بمكاسب المولى عليه. ففي هذه الحالة يمكن للأم أن تطلب من القضاء المدني إسقاط الولاية على الأب وإسنادها إليها ولكن بشرط إثبات قصد الإضرار وبيان الضرر الفادح الذي تم إلحاقه بالمولى عليه المحضون.

• تهاون الولي في القيام بالواجبات المنجرة عن الولاية على الوجه الاعتيادي:
قد يتسبب الولي عن قصد أو عن غير قصد في الإضرار بمصلحة المحضون بمجرد تهاونه في القيام بواجباته تجاه المولى عيه على الوجه المعتاد، أي كما يجب أن يفعل "رب الأسرة الصالح". هذا التهاون أو عدم الحرص قد يتمثل في الإخلال بواجب حفظ المولى عليه في بدنه أو أخلاقه أو إهمال تربيته بالصورة المعتادة مما يعرض الطفل للمخاطر، وقد يصل حد التهاون إلى التخلي عن القاصر المحضون داخل مؤسسة صحية أو اجتماعية، وقد يتمثل تهاون الولي في عدم ترسيم حق عيني لابنه القاصر مما يضر بمصالحه المادية. إن هذا التقصير في القيام بالواجبات المنجرة عن الولاية على الوجه الاعتيادي يمكن أن يؤدي إلى إسقاط الولاية عن الأب وإسنادها إلى الأم المحمولة على إثبات التهاون من جانب الأب، مع الإشارة إلى أن عبارة التهاون تحمل من الليونة ما يجعلها تستوعب وتستقطب عديد الإستخفافات من جانب الأب.
• غياب الولي عن مقره بحيث أصبح مجهول المقر:
تفترض مؤسسة الولاية أن يتولى الولي شؤون المولى عليه الناقص الأهلية مما يكفل تحقيق مصلحة الصغير المتمثل أساسا في قضاء شؤونه وحمايته من المخاطر والأضرار. وهي غاية لا تتحقق إلا إذا كان الولي متواجدا قريبا، فالولاية في جوهرها قرب ونصرة وتدبير. لذلك اعتبر المشرع بالفقرة الخامسة من الفصل 67 من م.أ.ش أنه يمكن للقاضي أن يسند مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة إذا تغيب الولي عن مقره وأصبح مجهول المقر، وهو سبب منطقي لإسقاط الولاية عن الأب المتغيب لتفادي تعطيل مصالح المحضون، مع الإشارة إلى أنه لا يكفي تغيب الأب عن مقره حتى تسند الولاية للأم بل يجب أن يصبح هذا الأخير مجهول المقر وهو ما يستفاد من حرف العطف "و".
ولا يفوتنا في هذا الإطار أن نتوقف عند الصورة العامة التي أوردها المشرع بالفصل 67 من م.أ.ش فقرة خامسة والتي بتوفرها يمكن للأم أن تطلب من القضاء إسناد الولاية إليها وإسقاطها عن الأب جزءا أو كلا، والمتمثلة في الأسباب التي من شأنها أن تضر بمصلحة المحضون.
في هذا الإطار، لا نساير موقف البعض الذي يعيب على المشرع التونسي عدم إدراج أسباب أخرى أخطر من الأسباب المذكورة سلفا على غرار ما فعله المشرع الفرنسي الذي أعتبر من أسباب إسقاط الولاية تفويض الأب ممارسة سلطته في الولاية على أبنائه للغير أو محاكمته من أجل جريمة إهمال عيال ولم يستأنف تحمل واجباته في خلال ستة أشهر أو صدور حكم في شأنه يقضي بحرمانه من ممارسة الولاية بصفة كلية أو جزئية، لأنها أسباب وإن لم ينص عليها صراحة الفصل 67 م.أ.ش فإنه لا مانع من اعتمادها من طرف القاضي بناء على ما تقتضيه مصلحة المحضون وتباعا يبقى الأمر موكولا لاجتهاد القضاء في تكييف هل أن السبب الذي تدّعيه الأم طالبة الإسناد يضر بمصلحة المحضون أم لا. لا نتخيل أن القضاء سيرفض إسناد الولاية إلى الأم وسحبها من الأب إثر ارتكاب جريمة في حق أبنته القاصر كأن قام بمواقعتها.
وبناءا عليه، فإن قائمة الأسباب التي تخول للقاضي إسناد مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة تبدو قائمة غير حصرية، وإن تم حصرها لأدى لك إلى شل سلطة القاضي من ناحية وتهديد مصلحة المحضون من ناحية أخرى ولحرم الأم من إسناد الولاية إليها في صورة متأكدة تقتضي سحبها من الأب غير الكفء لتحمل أعبائها.
ولكن هل يمكن سحب الولاية كاملة عن الأب إذا توفرت أحد أسباب الفقرة الخامسة من الفصل 67 م.أ.ش أم بعض مشمولاتها لأن المشرع لم يتحدث في الفصل المذكور عن الولاية بل على مشمولاتها؟
في هذا الإطار يستهوينا موقف البعض الذي رأى أن المشرع ذكر المشمولات دون أي تحديد سواء لكلها أو بعضها. وبالتالي فإن قواعد التأويل تقتضي أخذ العبارة على إطلاقها على معنى الفصل 533 م.إ.ع، مما يجيز للقاضي أن يسند بعض مشمولات الولاية أو كلها إلى الأم الحاضنة بصرف النظر عن طبيعتها.
كما نضيف أن إسناد الولاية إلى الأم قضائيا على معنى الفصل 67 فقرة 5 م.أ.ش فيه ضمان لمصلحة المحضون ولكنه ضمان لا يرتقي إلى الدرجة المنشودة لأن المشرع أشترط في إسناد مشمولات الولاية إلى الأم في جميع الصور التي تم تقديمها والتي تؤول حتما إلى الإضرار بمصلحة المحضون أن تكون الأم حاضنة، وبالتالي إذا غاب هذا الشرط لا يمكن للقاضي أن يسند لها بعض أو كل مشمولات الولاية.
وهنا يطرح التساؤل التالي: ما هو مآل المحضون الذي لم تسند حضانته إلى أمه و كان وليه الشرعي متعسفا أو متهاونا أو متغيبا أو مجرما؟ ألن تهدر مصالحه وتنعدم حمايته؟
يبدو أنه من الضروري والحتمي إعادة النظر في شتات الأحكام المنظمة للولاية على القاصر عموما والموزعة في غير ترتيب أو تبويب بين العديد من المجلات القانونية والنصوص الخاصة لاستجلاء نظام قانوني متكامل للولاية على نفس الصغير وماله واستحداث ما يلزم من القواعد لإكمال ما يشكوه النظام الحالي من نقائص وسد ما به من ثغرات.
وعموما ما يحسب للمشرع التونسي سعيه الدؤوب إلى تفعيل دور الأم بما فيه ضمان لمصلحة المحضون ولك بإسناد مشمولات الولاية إليها ون كانت أحيانا كاملة، وأحيانا أخرى ناقصة.


الجزء الثاني: ولاية الأم بين المشمولات الكاملة والمشمولات الناقصة

إن اشتراط توفر الأمانة والنصرة والتدبير والقدرة في الولي الغاية منه هو ضمان قيامة بما أؤتمن عليه، وبالتالي تجسيد العلة الأساسية من الولاية وهي حماية القاصر في نفسه وماله. فالولاية قد تسلط على الحقوق المالية والشخصية، كما يمكن أن تقتصر على أحدهما أو على بعض مشمولاتهما.
ولعل الاختلاف بين الحقوق المالية والحقوق الشخصية هو الذي جعل خصائص الولاية على المال تختلف عن خصائص الولاية على النفس، ذات الاختلاف يعلل تقسيم الفقهاء للولاية إلى ولايتين واحدة على المال وواحدة على النفس.
ولئن رأى البعض عدم تبني التشريع التونسي لهذا التقسيم شأنه في ذلك شأن التشريع المغربي لتأثرهما بالمذهب المالكي، فإننا نرى في التنقيحات المتواردة على أحكام الولاية عموما وولاية الأم بصفة مخصوصة تجاوزا لهذا الموقف. ذلك أن المشرع التونسي ولئن حاول تفعيل ولاية الأم إلى حد البلوغ بها إلى مرتبة الولاية الشرعية عند موت الأب أو فقدانه أهليته على معنى الفصل 154 من م.أ.ش والارتقاء بمشمولاتها لتصبح ولاية كلية على المال (مبحث أول) فإنها لم ترتق في أقصى حالتها إلى مرتبة الأب ذلك الولي العاصب بالنسب الذكر من حيث الولاية على النفس، مما أبقى ولاية الأم ولاية مبتورة من حيث مشمولاتها، وهذا يؤكد تباعا أن المشرع تبنى في أحكامه المنظمة لولاية الأم التقسيم المشار إليه أنفا ( مبحث ثاني).

 المبحث الأول: ولاية كاملة على المال

يقتضي المنطق القانوني أنه عندما يقرر المشرع الحجر على القاصر، أي منعه التصرف في ماله كليا أو نسبيا بحسب درجة تمييزه، يجب عليه أن يسمي ولي يكلف بتمثيل القاصر المحجور عليه قانونا وإدارة مصالحه المالية حتى يضفي حركية على ذمته المالية ويغذي فرص الإثراء لديه. ذلك أن الولاية على المال تعني سلطة التصرف في أموال فاقدي الأهلية ضمن الحدود المعينة في النصوص القانونية.
وبتفحص الأحكام المنظمة لولاية الأم نلاحظ أنها ولاية ترتقي في بعض الصور من حيث مشمولاتها إلى مرتبة ولاية الأب باعتبارها ولاية كاملة على مال أبنائه القصر وجب بيان مظاهرها (فقرة أولى)، وهي مظاهر تولد حتما آثارا يقتضي المنهج القانوني السليم الإلمام بها لما في ذلك من مزايا لعل أهمها إستجلاء صورة واضحة عن ولاية الأم على مال أبنائها القصر(فقرة الثانية).

* الفقرة الأولى: مظاهر إرتقاء ولاية الأم على المال إلى ولاية كاملة

لئن لم يمكن المشرع التونسي عبر الفقرة الرابعة من 67 من م.أ.ش الأم سوى من صلاحيات محدودة بخصوص الولاية على مال المحضون بأن نصت الفقرة المذكورة على أن "تتمتع الأم في صورة إسناد الحضانة إليها بصلاحيات الولاية فيما يتعلق ... بالتصرف في حساباته المالية". وهي صلاحيات علاوة على محدوديتها فهي مشروطة بإسناد الحضانة إلى الأم دون غيرها، فإنه في ما عدى ذلك وسع من مجال ولايتها على مال أبنائها القصر وصيرها ولاية كلية تضاهي ولاية الأب من حيث مشمولاتها. فلما صرح المشرع التونسي صلب الفصب153 من م.أ.ش بالحجر على الصغير فرض عليه نظام الولاية وإفترض وفاة الأب أو فقدانه أهليته ليسند آليا وشرعيا الولاية على مال القاصر إلى أمه على معنى الفصل 154 من م.أ.ش والذي يندرج في إطار تفعيل دور الأم من ناحية وضمان حماية للقاصر من ناحية أخرى عبر إسناد سلطة تمثيله في المعاملات القانونية وإدارة أمواله إلى من تربطه به قرابة دموية وثقى وإلى من هو أشد شفقة عليه وحرصا على مكاسبه.
ونستشف بذلك أن المشرع التونسي خالف ما اتفق عليه جمهور الفقهاء من عدم إسناد الولاية على المال أصالة للأم وأنها لا تكون إلا وصية من الأب والجد والحاكم لأنها "مخلوق ضعيف لا يقوى على أعراض وجوده من حمل ووضع وطمث وتعهد وتربية أولاد صغار، ولم تتعود خوض غمار الحياة..." .
فالمشرع عبر أحكام الفصل المذكور وتمشيا مع فلسفته العامة في تشريك الأم في إدارة شؤون العائلة وحماية مصلحة القاصر الفضلى أسند للأم ولاية كلية على مال القاصر ودعم المشرع التونسي الفكرة المذكورة بأن مكن الأم الحاضنة قضائيا من طلب إسناد جل مشمولات الولاية على المال إليها وسحبها من الأب على معنى الفقرة الخامسة من الفصل 67 من م.أ.ش والتي تنص على أنه "يمكن للقاضي أن يسند مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة إذا تعذر على الولي ممارستها أو تعسف فيها أو تهاون في القيام بالواجبات المنجرة عنها على الوجه الاعتيادي، أو تغيب عن مقره وأصبح مجهول المقر، أو لأي سبب يضر بمصلحة المحضون".
ويتحصحص من جملة الأحكام المذكورة أن ولاية الأم على مال أبنائها القصر يمكن أن ترتقي إلى مرتبة الولاية الكلية إذا مات الأب أو فقد أهليته أو لأي سبب شرعي يسقط عنه الولاية أو لأي سبب آخر يضر بمصلحة المحضون علاوة على الأسباب الأربعة المذكورة بالفقرة الخامسة من الفصل 67 من م.أ.ش.وتباعا يصبح للأم جميع السلطات التي كانت للأب على مال أبنائها القصر.
ومادامت الغاية من الولاية على أموال القاصر هي حماية ذمته المالية وتجنب إلحاق الضرر بها وضمان حسن إدارتها بما يعود على القاصر بالنفع والفائدة فيجب على الأم التي خولها تشريع الأحكام الشخصية من الولاية على أموال أبنها القاصر سواء كانت ولايتها شرعية أو قضائية أن تسعى جاهدة إلى حفظ مال القاصر وتنميته وأن لا تتهاون في إدارة مكاسب الصغير وحمايتها لأن مباشرة صلاحيات الولاية على أموال القصّر ليست بالأمر الهين الذي يمكن الاستخفاف به، إذ قيل:

احذر من الواوات أر بعة فهن من الحتوف
وواو الوكالة والولاية والوصاية والوقوف

كما حذر الله سبحانه وتعالى مغبة طمع الأولياء في أموال اليتامى بقوله "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ويصلون سعيرا" .
وعموما تولى المشرع تحديد سلطات الولاية على المال عبر تحديده تصرفات الولي في حق القاصر وذلك ضمان لحسن سير الولاية على أموال القاصر لما يعود على هذا الأخير بالنفع والفائدة، وهو تحديد ينطبق على الأم كلما أسندت إليها الولاية على إبنها القاصر.
وبناءا عليه، خول المشرع للأم صاحبة الولاية على أموال إبنها القاصر سواء كانت ولايتها شرعية على معنى الفصل 154 من م.أ.ش أو قضائية على معنى الفصل 67 من م.أ.ش أن تتولى إبرام التصرفات النافعة نفعا محضا في حق القاصر، وهي تلك التصرفات التي يغتني بها القاصر دون أن يدفع مقابل كقبول هبة أو وصية في حقه أو إسقاط دين عليه. ولا تنتظر في ذلك إذن من القاضي إذ ورد بالفصل 16 من م.إ.ع أن "ما تممه الولي في مصلحة الصغير تعتبر مثل الأعمال الصادرة من الرشيد المولى حقوقه بنفسه".
كما خول المشرع للأم عبر إسنادها ولاية المال كالأب تماما مباشرة التصرفات الدائرة بين النفع والضرر في حق إبنها القاصر. وفي خصوص هذا النوع من التصرفات تجدر الإشارة إلى أن الفصل 15 من م.إ.ع قد يوحي أن الأم غير مشمولة بحكمه لأنه ينص على أن "الأب المدير لكسب إبنه الصغير أو السفيه والولي وكل مدير لكسب بوجه قانوني ليس لهم أن يتصرفوا فيما هو موكول لنظرهم بمثل بيع ومعاوضة وكراء لمدة ثلاثة أعوام وإنزال وشركة ومقاسمة ورهن وغير ذلك مما هو مصرح به في القانون إلا بإذن خاص من الحاكم المختص". ولكنها قراءة لا تستقيم قانونا مادام المشرع قد أكسبها صفة الولية الشرعية بعد وفات الأب أو فقدان أهليته بمقتضى تنقيح عـ7ـدد لسنة 1981 المؤرخ في 18 فيفري 1981 ويعنى ذلك كما بين الأستاذ بشير زهرة أن جميع الواجبات والحقوق المحمولة على الأب تنتقل للأم ولا فرق بينهما مادامت عبارة " الولي" الواردة بالفصل 15 من م.إ.ع تشمل الأم التي إعتبرها الفصل 154 من م.أ.ش ولية شرعية للقاصر الذي توفي أبوه وفقد أهليته، كما تدخل الأم في قول المشرع "وكل مدير لكسب بوجه قانوني"، فالقانون إقتضى إدارتها لأموال إبنها القاصر بعد انتهاء ولاية الأب بوفاة أو فقدان أهليته أو لسبب شرعي على معنى الفصل 155 من م.أ.ش أو يأخذ به القاضي على معنى الفصل 67 من م.أ.ش.
فللأم أن تتمم التصرفات الدائرة بين النفع والضرر في حق القاصر وهي تلك التصرفات التي تقوم على إحتمال الكسب والخسارة وتشمل العقود التبادلية، ويدخل تحت نوع هذه التصرفات ما يسمى بأعمال التصرف كالبيع مثلا، وما يسمى بأعمال الإدارة التي تهدف إلى مجرد إستغلال الأموال كالإيجار مثلا.
وبالتأمل في أحكام الفصل 15 من م.إ.ع نلاحظ أن المشرع لم يذكر التصرفات التي تدخل في نطاق تطبيقه على سبيل الحصر وإنما على سبيل الذكر وهو ما يفهم من خلال عبارة" وغير ذلك مما هو مصرح به في القانون". ولعله تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن مباشرة الأمّ باعتبارها وليّة شرعية أو قضائية علي أموال ابنها القاصر للتصرفات الدائرة بين النفع والضرر مشروط بإستئذان قاضي التقاديم على معنى الفصلين 5 و15 من م ا ع وذلك توقّيا من ضررها على ذمّة القاصر.
ولعلّه وفي إطار ذات الغاية نشير إلى أنّ تحديد صلاحيّات الأم باعتبارها وليّة على مكاسب ابنها القاصر يتأكّد خاصّة تجاه التصرّفات الضارّة بطبيعتها لأنّها تنقص من ذمّة القاصر وتساهم في تفقيره دون أن ينجرّ عنها أيّ نفع لفائدته. بناءًا عليه يحجّر على الأم الوليّة على مكاسب ابنها القاصر إبرام التصرّفات الضارّة ضررا محضا في حقّ القاصر لأنّها تسبّب في افتقاره دون مقابل يأخذه كأن تبرم الأم هبة في حقّ القاصر لفائدة الغير أو أن تتنازل عن شروط في العقد فيها منفعة للقاصر.
ولقد أجمع الفقهاء المسلمين على إقرار هذا المنع لما في ذلك من حفظ لأموال الصغير وتجنّبا لإلحاق الخسارة بذمّته.
كما يتدرّج في إطار مظاهر ولاية الأم على مال ابنها القاصر إجازة هذه الأخيرة للتصرّفات التي يبرمها الصغير المميّز والتي تكون دائرة بين النفع والضرر كلّما كانت وليّة شرعيّة أو قضائيّة على مال ابنها إذ جاء بالفصل 156 م أ ش أنّ " الصغير الذي تجاوز الثالثة عشر يعد مميّزا وتصرّفاته تكون نافذة إذا كانت من قبيل النفع المحض وباطلة إذا كانت من قبيل الضرر المحض. ويتوقّف نفاذها في غير الصورتين المذكورتين على إجازة الوليّ".
كما ورد بالفصل 8 م.ا.ع ما يفيد أنّ الصغير الذي تجاوز الثلاثة عشر عاما إذا عقد بلا إذن الأب أو الولي لا يصحّ عقده وله أن يطلب فسخه إلاّ إذا أجازه الأب أو الولي على الصورة المطلوبة قانونا.
فإذا مارأت الأم نفعا من تصرّف المولّى عليه أجازته وإن رأت فيه مضرّة لم تجزه لأنّ الإجازة "سدّا لباب الضرر عن الصغير لا تحصل إلاّ إذا تبيّن أنّ التصرّف مفيد له بها يندفع الضرر ويلتحق التصرّف بما تتمخّض فيه المنفعة وتكون للصبيّ فيه عبارة صحيحة رغم نقص أهليّته.
وإذا صدرت الإجازة من الأم على الصورة المطلوبة قانونا يكون لها مفعولا كاشفا على التصرّف الذي أبرمه الصغير المميّز بمعنى أنّها ترتّب آثارها بصفة رجعيّة على التصرّف عملا بالقاعدة الفقهيّة المستوحاة من القانون الروماني "الإجازة اللاحقة في حكم الوكالة السابقة"، ولكن هذا المفعول لا يسري إلاّ إذا كان التصرّف الذي أبرمه القاصر ممّا تملك الأم باعتبارها وليّة مباشرته. فإن كانت لا تملكه لم تكن إجازتها معتبرة كأن يكون التصرّف من صنف التصرّفات الضارّة على معنى الفصل 156 م.ا.ش.
كما اتضحت مظاهر ولاية الأم على مال إبنها القاصر والتي ترتقي في بعض الصور كما وقع بيانه إلى مرتبة الولاية الكليّة يبدو من الضروري إيضاح آثار هذه الولاية.

* الفقــرة الثانيــة: آثــار ولاية الأم على المــال

إن الجزم بأن الأم و بمقتضى تنقيح 18 فيفري 1981 ثم تنقيح 12-07-1993 أصبحت تحضى بولاية على مال ابنها القاصر تسند إليها بصفة شرعيّة اثر وفاة الأب أو فقدانه أهليّة على معنى الفصل 154 م.أ.ش أو بصفة قضائيّة عند توفّر أحد الأسباب التي تضرّ بمصلحة المحضون على معنى الفصل 67 م.ا.ش يؤدّي إلى الإقرار بأنّ آثار الولاية تنسحب عليها شأنها في ذلك شأن الوليّ الأصلي أي الأب. فإسناد الولاية إلى الأم وتقديمها على الوصيّ والمقدّم على معنى الفصلين 154 و155 م.ا.ش يولّد آثارا قانونيّة بالغة الأهميّة. إذ أنّها تصبح بهذه الصفة معفاة من واجب الإدلاء بالحسابات والتي تعدّ من أهمّ الواجبات المحمولة على الوصيّ أو المقدّم عند إدارته لأموال القاصر لتجنّب أي نوع من التلاعب أو التحيّل على أمواله إذ جاء بالفصل 6 من الأمر المؤرّخ في 18/7/1957 والمتعلّق بترتيب تسمية المقدّمين ومراقبة تصرّفاتهم وحساباتهم أنّه "على الوصيّ أو المقدّم على القاصر أن يدلي لوكيل الجمهوريّة في نهاية شهر مارس ونهاية شهر أكتوبر من كلّ عام بحساباته دخلا وخرجا مصحوبة بالحجج المثبتة بقدر الإمكان. ووكيل الجمهوريّة أو من ينوبه يحققّ الحسابات ويضمّنها بالدفتر المعدّ لذلك ويختمها بإمضائه إن صادق عليها".
فالمشرّع فرّق في إطار هذا الواجب بين الوليّ الشرعي وغيره من الأوصياء والمقدّمين فلم يفرض تباعا على الأمّ رقابة محاسبة. وقد يكون مردّ هذا الاستثناء في الأصل التركيبة الأبيبيّة للعائلة والمكانة التي يحضى بها الأب في الولاية على مال أبنائه القصّر والتي تعفيه من أيّ إجراء يتّسم بالشدّة. ولمّا أصبحت الأم تتمتّع بصفة الوليّة منذ تنقيح 1981 تماما كالأب كان من المنطقي سحب الاعفاء من آداء هذا الواجب عليها لأنّها لا تقلّ شفقة على الأب.
كما أنّ إخضاع الولي الشرعي لرقابة محاسبة من شأنه أن يمسّ بقرينة الثقة التي يتّسم بها الآباء في علاقتهم بأبنائهم القصّر ولذلك اعتبر البعض أنّ في هذا الإجراء خدشا لمشاعر الأبوّة والأمومة وتشكيكا في حرصهم الطبيعي على أبنائهم القصّر. ولئن لم يفرض المشرّع التونسي رقابة محاسبة على الأم الوليّة على أبنائها القصّر فإنّه فرض عليها رقابة إذن وسوّى في ذلك بينها وبين غيرها من الأوصياء والمقدّمين. ذلك أنّ تصرّف الأم في الذمّة الماليّة لابنها القاصر لا يمكن أن يترك دون رقابة قضائيّة خاصّة إذا ما كانت تصرّفاتها من قبيل أعمال التفويت التي ينجرّ عنها تنقيص من أموال القاصر عملا بأحكام الفصل 15 من م.إ.ع. ويتعهّد برقابة الإذن السيد قاضي التقاديم الذي عرّفه الفصل 11 من أمر 18 جويلية 1957 والذي "لا يعطي الإذن المذكور إلاّ عند الضرورة والمصلحة الواضحة" وعموما يعتبر الإذن إجراءًا قبليا أقرّه المشرّع قد يجنّب الأم باعتبارها وليّة على القاصر من إبرام التصرّفات الخطيرة في حقّه والتي من شأنها أن تلحق الضرر بذمّته.
وفي ذات السياق، نضيف أنّه وفي صورة تقصير الأم في ولايتها على مال ابنها القاصر يمكن مساءلتها مدنيّا وإلزامها بجبر الضرر الذي ألحقته بذمّة المولّى عليه وهو ما أجمع عليه جلّ المذاهب الفقهيّة
إلاّ أنّنا بالرجوع إلى أحكام الولاية نلاحظ افتقارها إلى أيّ نص ينظم مسؤوليّة الولي عن إدارة أموال القاصر ولكنّنا نرى أنّه لا شيء يمنع من الرجوع إلى الأحكام العامة الواردة بالفصلين 82 و83 م.إ.ع لمساءلة الأم مدنيا بمجرّد توفّر مقوّمات المسؤوليّة المدنيّة وهي الخطأ والضرر وعلاقة سببية تربط الخطأ بالضرر علاوة على إمكانيّة مساءلة الأم جزائيّا.
فالتشريع التونسي يجيز تتبّع الولي الشرعي من أجل جريمة خيانة مؤتمن على معنى الفصل 297 من المجلة الجنائيّة الذي ينصّ على أنّ "الانسان الذي يختلس أو يتلف سندات أو نقود أو سلعا أو رقاعا أو تواصل أو غيرها ذلك من المكاتيب المتضمنة للإلزام أو الإبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إلاّ على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو الإعارة أو لأجل عمل معيّن بأجر أو بدونه بشرط إرجاعها أو إحضارها أو استعمالها في أمر معيّن يعاقب بالسجن مدّة 3 أعوام وبخطيّة قدرها ألف فرنك شريطة أن يكون قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرّفين فيها أو من هي بأيديهم.
لكن يكون السجن مدّة عشرة أعوام إذا كان المجرم وكيلا أو مستخدما أو خادما أو أجيرا يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليّا أو وصيّا أو ناظرا أو مقدّما أو مؤتمنا أو مديرا عدليّا أو مديرا لوقف أو مستخدما له". وبالتالي فإنّ عبارة الفصل المذكور تشمل الأم بوصفها ولية شرعيّة ممّا يجعلها مستهدفة للعقوبة الجزائيّة إذا ثبت تلاعبها بأموال أبنائها القصر أو محاولة الاستيلاء عليها وتملّكها.
ولكن من المفارقات التشرعيّة أن يقع تتبّع الأم بوصفها وليّة شرعيّة من أجل جريمة خيانة مؤتمن وأن يقرّ المشرّع حصانة جزائيّة لجريمة لا تقلّ خطورة عن الأولى تشكّل بدورها اعتداءا على مال المولى عليه وهي جريمة السرقة وذلك بمقتضى الفصل 266 من المجلة الجنائيّة، الذي جاء فيه أنه "لا تعدّ من السرقة الاختلاسات الواقعة من الوالدين فما فوقهما لأمتعة أبنائهم". وفي هذا الإطار يرى البعض أنّ هذا الموقف التشريعي قابل للنقد فإما أن تمتدّ هذه الحماية إلى جميع جرائم الاعتداء على مال الإبن القاصر وإمّا أن تلغى جميعها.
وعموما حاول المشرّع من خلال إرساء نظام الولاية على المال تكريس حماية للقاصر لكن وجود الحماية لا ينفي النقائص التي تشوبها وقد يكون مردّ ذلك افتقاد الولاية لنظام قانوني متجانس وموحّد.
ويبدو أنّ غياب نظام قانوني للولاية على القاصر متجانسا وموحّدا كانت له تداعياته أيضا على ولاية الأم على نفس القاصر.


 المبحث الثاني: ولاية ناقصة على النفس

لم يهتم المشرع التونسي بتعريف مؤسسة الولاية على النفس عموما على أهميتها في حماية القاصر. وبناءا عليه يمكن الاستئناس بتعريف الفقه الذي إعتبرها "مجمل الحقوق والواجبات المترتبة للولي وعليه فيما يتعلق بشخص الصغير". كما يقتضي الإلمام بها جمع شتات الأحكام التي تنظمها لتحديد مشمولات ولاية الأم على النفس (فقرة أولى) لأن المشرع التونسي ليست له نظرية عامة في موضوع الولاية على النفس يقع الرجوع إليها بل أحكام متفرقة ومتشتتة.
وعموما وبعد تفحص مجمل هذه الأحكام المنظمة للولاية عامة وولاية الأم على النفس بوجه مخصوص تجلى لنا أن هذه الأخيرة تبقى في أقصى حالاتها ولاية مبتورة لإقصاء ولاية الزواج منها (فقرة ثانية).
* الفقرة الأولى: مشمولات ولاية الأم على النفس
تلعب الأم دورا في ظل قيام العلاقة الزوجية في تحمل أعباء الولاية، إذ وفي إطار سعيه لإقرار نوع من التوازن في علاقات الزوجين نص المشرع بالفصل 23 من م.أ.ش والمنقح بمقتضى القانون عــ74ـدد لسنة 1993 المؤرخ في 12/07/1993 على أنه: " يقوم الزوجان بالواجبات الزوجية حسبما يقتضيه العرف والعادة. ويتعاونان على تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء وتصريف شؤونهم بما في لك التعليم والسفر والمعاملات المالية".
ولكن إقرار التعاون بين الزوجين على النحو المذكور لا يفيد الشراكة كما هو الحال في القانون الفرنسي وذلك إعتمادا على الأعمال التحضيرية لتنقيح الفصل 23 من م.أ.ش التي أكدت "أن تشريك المرأة إلى جانب الرجل في تصريف شؤون الأبناء هو تشريك للأم كأم" من ناحية ومن ناحية أخرى على إبقاء رئاسة العائلة للأب.
ولا تتأكد ممارسة الأم لمشمولات الولاية على نفس القاصر إلا عند وفاة الأب أو فقدانه أهليته على معنى الفصل 154 من م.أ.ش أو عند إسناد مشمولات الولاية على النفس إليها وفق أحكام الفقرة الخامسة من الفصل 67 من م.أ.ش، وهو إسناد وإن كان قضائيا فلا يجب أن يتجاوز أحكام الفصل 8 من ذات المجلة.
ويتحصحص من الأحكام المذكورة أن ولاية الأم على النفس محورها التربية التي تتفرع هي الأخرى لتشمل التعليم والتأديب والرقابة.

• ولايــة التربيــــة:

تبدو التربية على قدر كبير من الأهمية لما لها من تأثير على شخصية الإنسان وقد جاء في الفقرة الثانية من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه "يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماءا كاملا وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب...".
وعلى خلاف النص المذكور لم يتعرض المشرع التونسي إلى مشمولات ولاية التربية ولا إلى طرق ممارساتها. وفي ظل هذا التقصير التشريعي يبدو من الصعب الولوج إلى مفهومها.
وعموما أعتبر فقهاء الشريعة أن "للولد حق الرعاية والتربية والنفقة، فلا يجوز إهماله أو إضاعته، قال عليه السلام كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وأن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ". وهي تباعا حق وواجب في نفس الوقت سواء بالنسبة للأب أو الإبن.
وبالرجوع إلى ما إتفق عليه جمهور الفقهاء نلاحظ أن ولاية التربية موكولة للأب أو لغيره من الأولياء الذكور دون النساء الموكول إليهن الحضانة لاعتبارها تقتصر على القيام بالحاجات الضرورية للمحضون مثل طعامه ونظافته خلال الفترة الأولى من حياته، أي مادام محتاجا إلى خدمة النساء. ، وهو ما خالفه التشريع التونسي منذ أن إعتبر الحضانة بمقتضى الفصل 54 من م.أ.ش "حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته"، وهي عند قيام العلاقة الزوجية حق للوالدين على معنى الفصل57 من م.أ.ش.
وفي هذا الإطار طرح النقاش حول علاقة الحضانة بالولاية أي هل أن الحضانة مستقلة بذاتها أم هي إحدى مشمولات الولاية على النفس؟.
يبدو أن هذا الأمر محسوم في التشريع التونسي لما وردت عليه عبارة الحضانة من إطلاق علاوة على التنقيحات الواردة على مجلة الأحوال الشخصية وخاصة منها القانون عدد 74 لسنة 1993 المؤرخ في 12 جويلية 1993 والذي بمقتضاه أصبحت الأم الحاضنة حسب أحكام الفصل 67 تتمتع بصلاحيات الولاية فيما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية. كما يمكن للقاضي أن يسند كل أو بعض مشمولات الولاية إلى الأم الحاضنة إذا توفرت بعض الشروط أو إقتضت مصلحة الصغير ذلك وهو امتياز لا يسند إلى الأم إلا إذا كانت حاضنة لارتباطه الشديد بمؤسسة الحضانة.
ولكن ولاية التربية لا تسند إلى الأم بصفتها الحاضنة فقط وإنما تسند إليها بصفة آلية إذا ما توافرت شروط الفصل 154 من م.أ.ش وفي ها الإطار تشتمل ولاية الأم على نفس الصغير تعليمه وتأديبه ورقابته.
فأما واجب تعليم القاصر أشار إليه المشرع التونسي في عديد النصوص منها الفصل 23 و60و67 من م.أ.ش . فالأم متى أسندت إليها ولاية التربية عليها أن تسعى إلى تعليم المولى عليه لما في العلم من فوائد على نفس الصغير وتكوينه ونهظته خاصة وأنه ثبت عن الرسول الكريم قوله " أطلبوا العلم ولو في الصين".
كما تقتضي ولايتها على نفس الصغير أن تحرص على تأديبه عبر موعظته وإرشاده ولومه وإن لزم الأمر فضربه ضربا خفيفا وذلك لقول النبي الكريم "إياك أن تضرب فوق ثلاث فإنك إذا ضربت فوق ثلاث إقتصّ الله منك.
كما تشمل ولاية الأم على نفس المولى عليه مراقبته وذلك بالإشراف على تصرفاته بما في ذلك علاقته الاجتماعية ومراسلاته.
ويرى الأستاذ البشير الفرشيشي أن المشرع التونسي قد كرّس هذه المؤسسة بالفصل 60 من م.أ.ش الذي ينص على أن: "للأب وغيره من الأولياء وللأم النظر في شأن المحضون وتأديبه وإرساله إلى أماكن التعليم. ولا يبيت إلا عند حاضنه كل ذلك ما لم ير القاضي خلافه لمصلحة المحضون".
في هذا الإطار نلاحظ أن هذا الواجب الملقى على الأم قد يولد في صورة الإخلال به مسؤولية جزائية على معنى الفصول 224 و212و 212 مكرر من المجلة الجنائية كما أن من أهم آثار ولاية التربية المسندة إلى الأم قيام مسؤوليتها التقصيرية عن أفعال المولى عليه والتي أسسها الفصل 93 من م.إ.ع على الخطأ المفترض في ممارسة الآباء والأمهات عموما الرقابة على أبنائهم الصغار.
يبرز مما تقدم أن ولاية الأم تتسلط على نفس الصغير لتتمحور أساسا في ولاية التربية تلك الشجرة المتفرعة إذ تشمل التأديب والتعليم والرقابة، ولكن دون ولاية الزواج التي حال القانون دون تمكينها منها.
* الفقرة الثانية: اقصاء ولاية التزويج
منذ صدورها سنة 1956 أقصت م.ا.ش الأم من ميدان الولاية على الزواج. فبالرجوع إلى أحكام الفصل 8 من م.ا.ش نجد أنّ الولاية في الزواج هي حق من حقوق الأب ثم العصبات من الرجال. "الوليّ هو العاصب بالنسب ويجب أن يكون عاقلا ذكرا رشيدا والقاصر ذكرا كان أو أنثى وليّه وجوبا أبوه أو من ينيبه" وتقول العرب عصبة الرجل بنوه وقرابته لأبيه، والعصبة الذين يرثون الرجل. قال الأزهري "عصبة الرجل أو أوليائه الذكور من ورثته" والعرب تسمي قرابات الرجل أطرافه ولمّا أحاطت به هذه القرابات سميّت عصبة. كما أكدّ المشرّع التونسي هذه الخصوصيّة لولاية الزواج بمقتضى التنقيح عدد 7 لسنة 1981 المؤرخ 18/2/1981 عندما نصّ الفصل 154 م.ا.ش على أنّ "القاصر وليّه أبوه أو أمّه إذا توفيّ أبوه أو فقد أهليّته مع مراعاة أحكام الفصل الثامن من هذه المجلّة المتعلّق بالزواج..." مع العلم وأنّ الفصل الثامن حافظ على صياغته الأصليّة وبالتالي بقيت ولاية التزويج حكرا على العصابات من الذكور. وهو موقف اتّفق حوله جمهور الفقهاء المسلمين. فولاية التزويج لا تكون إلاّ للعصابات من الرجال ولا يمكن إطلاقا أن تسند للمرأة فهو نفس الموقف الذي اتّخذه المشرّع التونسي. ولئن حاول المشرّع بمقتضى القانون عدد 74 لسنة 1993 المؤرّخ في 12/7/1993 إدخال بعض التحويرات على مؤسّسة الولاية على الزواج فإنّه أبقى على أصحاب الحقّ فيها، ولم يغيّر سوى جزءا في موقع الأم بالنسبة لزواج القاصر في ظلّ قيام الرابطة الزوجيّة أو عند انفصامها.

فقد نصّ الفصل 6 م.ا.ش على أنّ "زواج القاصر يتوقّف على موافقة الولي والأم وإن امتنع الولي أو الأم عن الموافقة وتمسّك القاصر برغبته لزم رفع الأمر للقاضي والإذن بالزواج لا يقبل الطعن بأيّ وجه".
يتحصحص من الفصل المذكور أنّ المشرّع لم يسند صلاحيّات ولاية الزواج إلى الأم بل إنّها بقيت من اختصاص العاصب بالنسب ويفهم ذلك خاصّة من خلال استعمال المشرع عبارات "الولي والأم" فبعطف الأم على الولي نستنتج أن موافقة الأم لا تشرط بوصفها وليّة أيضا بل بوصفها أمّا فقط. وهو رأي يدعّمه ما نصّت عليه مداولات مجلس النواب من تنقيح الفصل 6 من م.ا.ش أنّ "الأم لم تسند لها سلطة الموافقة على زواج القاصر بصفتها وليّة، بل بصفتها أمّا وهي الصفة الوحيدة التي خوّلت لها حقّ التدخّل في حياة القاصر المترشّح للزواج، فحتى في صورة تمتّعها بالولاية فهي تمارس صلاحيّة الموافقة والرفض على أساس رابطة الأمومة فقط. وتبعا لذلك فلا يجوز القول بأنّ أحكام الفصل المذكور مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلاميّة حيث أنّ وليّ القاصر في الزواج هو أساسا أقرب عاصب بالنسب وهو كما سبق الإشارة إليه تقيّد حرفي بأحكام المذهب المالكي، علما وأنّ هذا الأخير من أكثر المذاهب تشدّدا في هذا المجال.
ولقد حاول البعض انتقاد موقف المشرّع المذكور في إقصاء الأمّ من ولاية الزواج داعيا إلى إقرار ولايتها على زواج القاصر خاصّة عند وفاة الأب أو فقدانه أهليّته مبرّرا موقفه بأنّ الفقه الإسلامي أقرّ بإعطاء صلاحيّة ولاية الزواج للأم في صورة وفاة الأب حين تكون وصيّة. وهو رأي اعتمده اتجاه من المذهب المالكي وأيضا جانب من المذهب الحنفي الذي يعتبر أنّه في صورة عدم وجود العاصب فإنّ الولاية على الزواج تعطى للأمّ.
ولكن لا نرى في هذه الحجّة وجاهة لأنّ الاتجاه الفقهي المذكور بقي معزولا كبقاء ولاية الأمّ رغم التنقيحات المتواردة على م.ا.ش والهادفة إلى تفعيل دور الأم ولاية مبتورة من حيث النفس وولاية تقتضي مراجعة أكيدة وماسّة من حيث المال شأنها في ذلك شأن الأحكام المنظمة للولاية على القاصر عموما. وفي الختام يبدو أنّه أصبح من الضروريّات المتأّكدة أن تتوحّد الأحكام المنظمة للولاية عبر جمع شتاتها بترتيبها وتبويبها في تنظيم قانوني متكامل يضمن الحماية المنشودة للقاصر جوهر الولاية.


------------------------------------
الفهـــرس المعتــمــــد

• المقدمـــة
• الجزء الأول: ولاية الأم بين الإسناد الآلي والإسناد القضائي.
المبحث الأول: إسناد الولاية إلى الأم آليا.
الفقرة الأولى: أساس إسناد الولاية إلى الأم آليا.
الفقرة الثانية: صور إسناد الولاية إلى الأم آليا.
المبحث الثاني: إسناد الولاية إلى الأم قضائيا.
الفقرة الأولى: إستبعاد الفقرة الرابعة من الفصل 67 من م.أ.ش.
الفقرة الثانية: إعتماد الفقرة الخامسة من الفصل 67 من م.أ.ش .
• الجزء الثاني: ولاية الأم بين المشمولات الكاملة والمشمولات الناقصة.
المبحث الأول: ولاية كاملة على المال.
الفقرة الأولى: مظاهر إرتقاء ولاية الأم على المال إلى ولاية كاملة.
الفقرة الثانية: آثار ولاية الأم على المال.
المبحث الثاني: ولاية ناقصة على النفس.
الفقرة الأولى: مشمولات ولاية الأم على النفس.
الفقرة الثانية: إقصاء ولاية التزويج.



السنة القضائية 2005/2006

المشرف على التمرين
الأستاذ: أكرم الفجاري

المشرف على محاضرات التمرين:
الأستاذ: نور الدين علاق
الأستاذ: يوســف الأحمر
الأستاذ: منيــر بلعيــد

Aucun commentaire: